الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
(مَا) أَيْ أَشْيَاءٌ (يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا) أَيْ الْأَشْيَاءِ (صِحَّتُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ. وَكَذَا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى شُرُوطِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ يَعْجِزُ بِهِ عَنْ تَحْصِيلِ شَرْطٍ وَالشُّرُوطُ جَمْعُ شَرْطٍ كَفَلْسِ وَفُلُوسٍ، وَالشَّرَائِطُ جَمْعُ شَرِيطَةٍ. كَفَرَائِضَ وَفَرِيضَةٍ، وَالْأَشْرَاطُ جَمْعُ شَرَطٍ، كَأَقْمَارٍ وَقَمَرٍ، وَهُوَ لُغَةً: الْعَلَامَةُ، وَعُرْفًا: مَا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ مَعَ عَدَمِهِ. وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِهِ (وَلَيْسَتْ) شُرُوطُ الصَّلَاةِ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ أَرْكَانِهَا (بَلْ تَجِبُ) شُرُوطُ الصَّلَاةِ (لَهَا قَبْلَهَا) فَتَسْبِقُهَا، وَتَسْتَمِرُّ فِيهَا وُجُوبًا إلَى انْقِضَائِهَا، بِخِلَافِ الْأَرْكَانِ. قَالَ (الْمُنَقِّحُ: إلَّا النِّيَّةَ) فَتَكْفِي مُقَارَنَتُهَا لِلتَّحْرِيمَةِ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ (وَهِيَ) أَيْ شُرُوطُ الصَّلَاةِ تِسْعَةٌ (إسْلَامٌ وَعَقْلٌ وَتَمْيِيزٌ) وَهَذِهِ شُرُوطٌ لِكُلِّ عِبَادَةٍ غَيْرِ الْحَجِّ فَيَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ. وَيَأْتِي. (وَ) الرَّابِعُ: (طَهَارَةٌ) لِحَدِيثِ {لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا (و) الْخَامِسُ (دُخُولُ وَقْتِ) صَلَاةٍ مُؤَقَّتَةٍ. وَهَذَا الْمَقْصُودُ هُنَا وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ: بِالْمَوَاقِيتِ. قَالَ تَعَالَى: {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " دُلُوكُهَا إذَا فَاءَ الْفَيْءُ " وَقَالَ عُمَرُ " الصَّلَاةُ لَهَا وَقْتٌ شَرَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ " وَهُوَ حَدِيثُ جِبْرِيلَ حِينَ أَمَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، ثُمَّ قَالَ " يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك " وَالْوَقْتُ أَيْضًا: سَبَبُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ، وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ، وَشَرْطٌ لِلْوُجُوبِ كَالْأَدَاءِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الشُّرُوطِ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ فَقَطْ (وَهُوَ) أَيْ الْوَقْتُ (لِظُهْرٍ). وَهُوَ لُغَةً الْوَقْتُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَشَرْعًا: صَلَاةُ هَذَا الْوَقْتِ مُشْتَقٌّ مِنْ الظُّهُورِ لِأَنَّ فِعْلَهَا يَكُونُ ظَاهِرًا وَسَطَ النَّهَارِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا: الْهَجِيرُ، لِفِعْلِهَا وَقْتَ الْهَاجِرَةِ (وَهِيَ الْأُولَى) لِبُدَاءَةِ جِبْرِيلَ بِهَا لَمَّا صَلَّى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ ظَهَرَ أَمْرُهُ وَسَطَعَ نُورُهُ، وَخَتَمَ بِالْفَجْرِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ ظُهُورٍ فِيهِ ضَعْفٌ (مِنْ الزَّوَالِ، وَهُوَ ابْتِدَاءُ طُولِ الظِّلِّ بَعْدَ تَنَاهِي قِصَرِهِ) لِأَنَّ الظِّلَّ يَكُونُ طَوِيلًا عِنْدَ ابْتِدَاءِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَكُلَّمَا صَعِدَتْ قَصَرَ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ. فَإِذَا أَخَذَتْ فِي النُّزُولِ مُغْرِبَةً طَالَ، لِمُحَاذَاةِ الْمُنْتَصِبِ قُرْصَهَا، فَهَذَا أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ. وَيَقْصُرُ الظِّلُّ فِي الصَّيْفِ لِارْتِفَاعِهَا إلَى الْجَوِّ، وَيَطُولُ فِي الشِّتَاءِ (لَكِنْ لَا يَقْصُرُ الظِّلُّ فِي بَعْضِ بِلَادِ خُرَاسَانَ. لِسَيْرِ الشَّمْسِ نَاحِيَةً عَنْهَا) فَصَيْفُهَا كَشِتَاءِ غَيْرِهَا. فَيُعْتَبَرُ الْوَقْتُ بِالزَّوَالِ، وَهُوَ مَيْلُهَا لِلْغُرُوبِ (وَيَخْتَلِفُ) ظِلُّ الزَّوَالِ (بِالشَّهْرِ وَالْبَلَدِ) فَيَقْصُرُ فِي الصَّيْفِ. وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْ الْبِلَاد مِنْ وَسَطِ الْفُلْكِ، وَيَطُولُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ (فَأَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ ظِلِّ آدَمِيٍّ تَزُولُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ (بِإِقْلِيمِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ: قَدَمٌ وَثُلُثٌ) قَدَمٌ بِقَدَمِ ذَلِكَ الْآدَمِيِّ (فِي نِصْفِ حُزَيْرَانَ) وَسَابِعَ عَشَرَةَ أَطْوَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ. (وَيَتَزَايَدُ) بِقِصَرِ النَّهَارِ (إلَى عَشَرَةِ أَقْدَامٍ) (وَسُدُسِ) قَدَمٍ (فِي نِصْفِ كَانُونَ الْأَوَّلِ) وَسَابِعَ عَشَرَةَ أَقْصَرُ أَيَّامِ السَّنَةِ (وَيَكُونُ) الظِّلُّ (أَقَلَّ) قِصَرًا (وَأَكْثَرُ) طُولًا (فِي غَيْرِ ذَلِكَ) الْمُسَمَّى مِنْ الشُّهُورِ وَالْبُلْدَانِ (وَطُولُ كُلِّ إنْسَانٍ بِقَدَمِهِ) نَفْسِهِ (سِتَّةُ) أَقْدَامٍ (وَثُلُثَانِ تَقْرِيبًا) فَقَدْ يَزِيدُ أَوْ يَنْقُصُ يَسِيرًا، وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا مِنْ الزَّوَالِ (حَتَّى يَتَسَاوَى مُنْتَصِبٌ وَفَيْئُهُ) أَيْ ظِلُّهُ (سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ) فَإِذَا ضَبَطْت الظِّلَّ الَّذِي زَالَ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَبَلَغَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ قَدْرَ الشَّاخِصِ، فَقَدْ انْتَهَى وَقْتُ الظُّهْرِ. وَتَجِبُ الْفَرِيضَةُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِهَا بِأَوَّلِ وَقْتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَّا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهَا فِيهِ (وَالْأَفْضَلُ: تَعْجِيلُهَا) أَيْ الظُّهْرِ لِحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ، الَّتِي تَدْعُونَهَا الْأُولَى، حِينَ تُدْحَضُ الشَّمْسُ} وَقَالَ جَابِرٌ {كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا (إلَّا مَعَ حَرٍّ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ الْبَلَدُ حَارًّا أَوْ لَا، صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي بَيْتِهِ. لِعُمُومِ حَدِيثِ {إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنْ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ} مُتَّفَق عَلَيْهِ، وَفَيْحُهَا غَلَيَانُهَا وَانْتِشَارُ لَهَبِهَا وَوَهَجِهَا. فَتُؤَخَّرُ مَعَ حَرٍّ (حَتَّى يَنْكَسِرَ) الْحَرُّ لِلْخَبَرِ (وَ) إلَّا (مَعَ غَيْمٍ لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ " كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الظُّهْرَ وَيُعَجِّلُونَ الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْمَغِيمِ " فَتُؤَخَّرُ فِيهِ (لِقُرْبِ وَقْتِ الْعَصْرِ) طَلَبًا لِلسُّهُولَةِ. لِأَنَّهُ يَخَافُ فِيهِ الْعَوَارِضَ مِنْ مَطَرٍ وَرِيحٍ فَيَشُقُّ الْخُرُوجُ بِتَكَرُّرِهِ، فَاسْتُحِبَّ تَأْخِيرُ الْأُولَى لِيَقْرُبَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ، فَيَخْرُجُ لَهُمَا خُرُوجًا وَاحِدًا (فَيُسَنُّ) التَّأْخِيرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. لِمَا تَقَدَّمَ (غَيْرِ جُمُعَةٍ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْحَرِّ وَالْغَيْمِ، فَيُسَنُّ تَقْدِيمُهَا. مُطْلَقًا لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ {مَا كُنَّا نُقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ} وَقَوْلِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ {كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. (وَتَأْخِيرُهَا) أَيْ الظُّهْرِ (لِمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ) كَعَبْدٍ (أَوْ) لِمَنْ (يَرْمِي الْجَمَرَاتِ حَتَّى يَفْعَلَا) أَيْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَيَرْمِيَ الْجَمَرَاتِ (أَفْضَلُ) مِنْ فِعْلِهَا قَبْلَهُمَا لِمَا يَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ (وَيَلِيهِ) أَيْ وَقْتَ الظُّهْرِ: الْوَقْتُ (الْمُخْتَارُ لِلْعَصْرِ) فَلَا فَصْلَ، وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا (وَهِيَ) أَيْ الْعَصْرُ الصَّلَاةُ (الْوُسْطَى) لِلْخَبَرِ، بِلَا خِلَافٍ عَنْ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ فِيمَا أَعْلَمُهُ. ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ فَهِيَ بِمَعْنَى الْفُضْلَى وَالْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ صَلَاةٍ نَهَارِيَّةٍ وَصَلَاةٍ لَيْلِيَّةٍ، أَوْ بَيْنَ رُبَاعِيَّتَيْنِ، وَيَمْتَدُّ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ لِلْعَصْرِ (حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ) أَيْ ظِلِّ الشَّاخِصِ الَّذِي زَالَتْ الشَّمْسُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ " صَلَّاهَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَقَالَ: الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ " (ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْوَقْتُ بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ (وَقْتُ ضَرُورَةٍ إلَى الْغُرُوبِ) مَصْدَرُ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا. فَتَكُونُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَدَاءً. لِحَدِيثِ {مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ، إلَّا فِي الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ فَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ (وَتَعْجِيلُهَا) أَيْ الْعَصْرِ (مُطْلَقًا) أَيْ مَعَ حَرٍّ وَغَيْمٍ وَغَيْرِهِمَا (أَفْضَلُ) لِلْأَخْبَارِ (وَيَلِيهِ) أَيْ وَقْتَ الضَّرُورَةِ لِلْعَصْرِ الْوَقْتُ (لِلْمَغْرِبِ) وَأَصْلُهُ وَقْتُ الْغُرُوبِ، أَوْ مَكَانُهُ أَوْ هُوَ نَفْسُهُ، ثُمَّ صَارَ اسْمًا لِصَلَاةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَنَظَائِرِهِ. (وَهِيَ) أَيْ الْمَغْرِبُ (وِتْرُ النَّهَارِ) لِلْخَبَرِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ وَاتِّصَالِهَا بِهِ. وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا (حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا أَيْضًا {الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَجَبَتْ الْعِشَاءُ} رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ (وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا) أَيْ الْمَغْرِبِ لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ {كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا، وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِعْلُ جِبْرِيلَ لَهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ دَلِيلٌ لِتَأْكِيدِ اسْتِحْبَابِ اسْتِعْجَالِهَا (إلَّا لَيْلَةَ جَمْعٍ) أَيْ مُزْدَلِفَةَ. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا. وَهِيَ لَيْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ فَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا (لِمُحْرِمٍ) يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ (قَصَدَهَا) أَيْ مُزْدَلِفَةَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إجْمَاعًا (إنْ لَمْ يُوَافِهَا) أَيْ مُزْدَلِفَةَ (وَقْتَ الْغُرُوبِ) فَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا وَلَا يُؤَخِّرُهَا (وَ) لَا (فِي غَيْمٍ لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً) فَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا لِقُرْبِ وَقْتِ الْعِشَاءِ (كَمَا تَقَدَّمَ) فِي الظُّهْرِ (وَ) لَا فِي (جَمْعِ تَأْخِيرٍ إنْ كَانَ جَمْعُ التَّأْخِيرِ أَرْفَقَ ) لِمَنْ يُبَاحُ لَهُ. وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ بِالْعِشَاءِ (وَيَلِيهِ) أَيْ وَقْتَ الْمَغْرِبِ (الْمُخْتَارُ لِلْعِشَاءِ) وَهُوَ أَوَّلُ الظَّلَامِ وَعُرْفًا: صَلَاةُ هَذَا الْوَقْتِ يُقَالُ لَهَا: عِشَاءُ الْأَخِيرَة، وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ (إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) لِأَنَّ جِبْرِيلَ {صَلَّاهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ {كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَصَلَاتُهَا) أَيْ الْعِشَاءِ (آخِرَ الثُّلُثِ) الْأَوَّلِ مِنْ اللَّيْلِ (أَفْضَلُ) لِخَبَرِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (مَا لَمْ يُؤَخَّرْ الْمَغْرِبُ) حَيْثُ جَازَ تَأْخِيرُهَا لِنَحْوِ جَمْعٍ فَتُقَدَّمُ الْعِشَاءُ (وَيُكْرَهُ التَّأْخِيرُ إنْ شَقَّ وَلَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ. لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّخْفِيفِ " رِفْقًا بِالْمَأْمُومِينَ (وَ) يُكْرَهُ (النَّوْمُ قَبْلَهَا) أَيْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ (و) يُكْرَهُ (الْحَدِيثُ بَعْدَهَا) أَيْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ. لِحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ. وَفِيهِ {وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (إلَّا) حَدِيثًا (يَسِيرًا) وَإِلَّا حَدِيثًا مَعَ (أَهْلٍ) وَضَيْفٍ، لِأَنَّهُ خَيْرٌ نَاجِزٌ فَلَا يُتْرَكُ لِتَوَهُّمِ مَفْسَدَةٍ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْوَقْتُ بَعْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ (وَقْتُ ضَرُورَةٍ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) لِحَدِيثِ {لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ صَلَاةً إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلْوِتْرِ. وَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْعِشَاءِ (وَهُوَ) أَيْ الْفَجْرُ الثَّانِي الْمُسْتَطِيلُ (الْبَيَاضُ الْمُعْتَرَضُ بِالْمَشْرِقِ وَلَا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ) وَيُقَالُ لَهُ: الْفَجْرُ الصَّادِقُ (و) الْفَجْرُ (الْأَوَّلُ) وَيُقَالُ لَهُ: الْكَاذِبُ (مُسْتَطِيلٌ) بِلَا اعْتِرَاضٍ (أَزْرَقُ لَهُ شُعَاعٌ ثُمَّ يُظْلِمُ) وَلِدِقَّتِهِ يُسَمَّى ذَنَبَ السِّرْحَانِ، وَهُوَ الذِّئْبُ (وَيَلِيهِ) أَيْ وَقْتَ الضَّرُورَةِ لِلْعِشَاءِ الْوَقْتُ (لِلْفَجْرِ) إجْمَاعًا، وَيَمْتَدُّ (إلَى الشُّرُوقِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {وَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَتَعْجِيلُهَا) أَيْ الْفَجْرِ (مُطْلَقًا) أَيْ صَيْفًا وَشِتَاءً (أَفْضَلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَغْسِلُونَ بِالْفَجْرِ. وَمُحَالٌ أَنْ يَتْرُكُوا الْأَفْضَلَ وَهُمْ النِّهَايَةُ فِي إتْيَانِ الْفَضَائِلِ. وَحَدِيثُ {أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: أَنَّ مَعْنَى الْإِسْفَارِ أَنَّهُ يُضِيءُ الْفَجْرُ فَلَا يُشَكُّ فِيهِ. وَيُسَنُّ جُلُوسُهُ بِمُصَلَّاهُ بَعْدَ عَصْرٍ إلَى الْغُرُوبِ وَبَعْدَ فَجْرِ الشُّرُوقِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ. وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. ذَكَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ (وَتَأْخِيرُ الْكُلِّ) أَيْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (مَعَ أَمْنِ فَوْتِ) الْوَقْتِ بِأَنْ يَبْقَى مِنْهُ مَا يَتَّسِعُ لَهَا كُلِّهَا (لِمُصَلِّي كُسُوفٍ) لِشَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَفْضَلُ لِئَلَّا يَفُوتَهُ الْكُسُوفُ. (وَ) تَأْخِيرُ الْكُلِّ مَعَ أَمْنِ فَوْتٍ ل (مَعْذُورٍ، كَحَاقِنٍ) بِبَوْلٍ أَوْ نَحْوِهِ (وَتَائِقٍ) إلَى طَعَامٍ أَوْ نَحْوِهِ (أَفْضَلُ) لِيُزِيلَ ذَلِكَ، وَيَأْتِيَ الصَّلَاةَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ تَعَيَّنَتْ (وَلَوْ أَمَرَهُ بِهِ) أَيْ التَّأْخِيرِ (وَالِدُهُ لِيُصَلِّيَ بِهِ) الصَّلَاةَ الَّتِي طَلَبَ تَأْخِيرَهَا مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ (أَخَّرَ) لِيُصَلِّيَ بِهِ وَظَاهِرُهُ وُجُوبًا لِطَاعَةِ وَالِدِهِ. وَأَنَّهُ إنْ أَمَرَهُ بِالتَّأْخِيرِ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُؤَخِّرْ (فَ) يُؤْخَذُ مِنْهُ: أَنَّهُ (لَا يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ أَبَاهُ) وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَيَجِبُ) التَّأْخِيرُ (لِتَعَلُّمِ الْفَاتِحَةِ، و) تَعَلُّمِ (ذِكْرٍ وَاجِبٍ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ (وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ التَّعْجِيلِ بِالتَّأَهُّبِ) لِلصَّلَاةِ (أَوَّلَ الْوَقْتِ) بِأَنْ يَشْتَغِلَ بِالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ دُخُولِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا إعْرَاضَ مِنْهُ (وَيُقَدِّرُ لِلصَّلَاةِ أَيَّامَ الدَّجَّالِ) الطِّوَالِ، وَهِيَ يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ (قَدْرَ) الزَّمَنِ (الْمُعْتَادِ) لَا أَنَّهُ لِلظُّهْرِ بِالزَّوَالِ وَانْتِصَافِ النَّهَارِ، وَلَا لِلْعَصْرِ بِمَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ. وَهَكَذَا، بَلْ يُقَدِّرُ الْوَقْتَ بِزَمَنٍ يُسَاوِي الزَّمَنَ الَّذِي كَانَ فِي الْأَيَّامِ الْمُعْتَادَةِ، وَاللَّيْلَةُ فِي ذَلِكَ كَالْيَوْمِ إنْ طَالَتْ، قُلْت: وَقِيَاسُهُ الصَّوْمُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ.
(أَدَاءُ الصَّلَاةِ، حَتَّى) صَلَاةُ (الْجُمُعَةِ يُدْرَكُ بِتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ) فِي الْوَقْتِ، سَوَاءٌ أَخَّرَهَا الْعُذْرُ أَوْ لَا. لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا {مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَوْ مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِلْبُخَارِيِّ " فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ " وَكَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ، كَإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ (وَلَوْ) كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي كَبَّرَ فِيهِ لِلْإِحْرَامِ (آخِرَ وَقْتِ ثَانِيَةٍ فِي جَمْعٍ) فَتَكُونُ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا فِيهِ أَدَاءً، كَمَا لَوْ لَمْ يَجْمَعْ، فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا لِخُرُوجِ وَقْتِهَا، بَلْ يُتِمُّهَا أَدَاءً (وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ) فَلَمْ يَدْرِ: أَدَخَلَ أَمْ لَا؟ (وَلَا تُمْكِنُهُ مُشَاهَدَةُ) مَا يُعْرَفُ بِهِ الْوَقْتُ لِعَمًى أَوْ مَانِعٍ مَا. (وَلَا مُخْبِرَ عَنْ يَقِينٍ) بِدُخُولِ الْوَقْتِ (صَلَّى إذَا ظَنَّ دُخُولَهُ) أَيْ الْوَقْتِ، بِدَلِيلٍ: مِنْ اجْتِهَادٍ أَوْ تَقْدِيرِ الزَّمَنِ بِصَنْعَةٍ. أَوْ قِرَاءَةٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ اجْتِهَادِيٌّ. فَاكْتَفَى فِيهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ كَغَيْرِهِ. وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: فَإِنْ صَلَّى مَعَ الشَّكِّ أَعَادَ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِهِ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ مُخْبِرٌ عَنْ يَقِينٍ عَمِلَ بِهِ دُونَ ظَنِّهِ (وَيُعِيدُ إنْ) اجْتَهَدَ وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ (أَخْطَأَ) الْوَقْتَ (فَصَلَّى قَبْلَهُ) لِوُقُوعِهَا نَفْلًا وَبَقَاءِ فَرْضِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّن لَهُ الْخَطَأُ، فَلَا إعَادَةَ (وَيُعِيدُ أَعْمَى عَاجِزٌ) عَنْ مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ (عَدِمَ مُقَلَّدًا) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ مَنْ يُقَلِّدُهُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ (مُطْلَقًا) أَيْ أَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ وَلَمْ يُوجَدْ. وَفُهِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ الْأَعْمَى عَلَى الِاسْتِدْلَالِ لِلْوَقْتِ فَفَعَلَ. لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ: مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْخَطَأُ (وَيَعْمَلُ بِأَذَانِ ثِقَةٍ عَارِفٍ) بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ بِالسَّاعَاتِ. لِأَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِهِ لَمْ تَحْصُلَ فَائِدَتُهُ. وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَعْمَلُونَ بِالْأَذَانِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَكَذَا يُعْمَلُ بِأَذَانِهِ إذَا كَانَ يُقَلِّدُ عَارِفًا، قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْمُبْدِعِ: يَعْمَلُ بِالْأَذَانِ فِي دَارِنَا وَكَذَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، إنْ عَلِمَ إسْلَامَهُ (وَكَذَا إخْبَارُهُ) أَيْ الثِّقَةِ الْعَارِفِ بِالْوَقْتِ (بِدُخُولِهِ) عَنْ يَقِينٍ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ، فَقَلَّ فِيهِ الْوَاحِدُ كَالرِّوَايَةِ، و(لَا) يُعْمَلُ بِإِخْبَارِهِ بِهِ (عَنْ ظَنٍّ) بَلْ يَجْتَهِدُ هُوَ حَيْثُ أَمْكَنَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ عُمِلَ بِقَوْلِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ (وَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ) مَكْتُوبَةٍ (بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ) كَمَا لَوْ زَالَتْ الشَّمْسُ (ثُمَّ) بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ تَكْبِيرَةٍ فَأَكْثَرَ (طَرَأَ مَانِعٌ) فِي الصَّلَاةِ (كَجُنُونٍ وَحَيْضٍ) ثُمَّ زَالَ (قُضِيَتْ) تِلْكَ الصَّلَاةُ الَّتِي أَدْرَكَ وَقْتَهَا، لِوُجُوبِهَا بِدُخُولِهِ عَلَى مُكَلَّفٍ، لَا مَانِعَ بِهِ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا، فَإِذَا قَامَ بِهِ مَانِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُسْقِطْهَا. فَوَجَبَ قَضَاؤُهَا عِنْدَ زَوَالِهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا بَعْدَهَا، وَلَوْ جَمَعَ إلَيْهَا (وَإِنْ طَرَأَ) عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ (تَكْلِيفٌ كَبُلُوغِ) صَغِيرٍ وَعَقْلِ مَجْنُونٍ (وَنَحْوِهِ) أَيْ طَرَأَ نَحْوُ التَّكْلِيفِ كَزَوَالِ مَانِعٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ كُفْرٍ (وَقَدْ بَقِيَ) مِنْ وَقْتِ مَكْتُوبَةٍ (بِقَدْرِهَا) أَيْ التَّكْبِيرَةِ (قُضِيَتْ) تِلْكَ الصَّلَاةُ (مَعَ مَجْمُوعَةٍ إلَيْهَا قَبْلَهَا) إنْ كَانَتْ، فَإِنْ طَرَأَ ذَلِكَ قُبَيْلَ الْعَصْرِ قَضَى الظُّهْرَ وَحْدَهَا، وَإِنْ كَانَ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ قَضَى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ. وَإِنْ كَانَ قُبَيْلَ الْعِشَاءِ قَضَى الْمَغْرِبَ، وَإِنْ كَانَ قُبَيْلَ الْفَجْرِ قَضَى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَإِنْ كَانَ قُبَيْلَ الشَّمْسِ قَضَى الْفَجْرَ فَقَطْ. أَمَّا كَوْنُ الْوُجُوبِ يَتَعَلَّقُ بِقَدْرِ التَّكْبِيرَةِ مِنْ الْوَقْتِ: فَلِأَنَّهُ إدْرَاكٌ فَاسْتَوَى فِيهِ الْكَثِيرُ وَالْقَلِيلُ، كَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الرَّكْعَةُ فِي الْجُمُعَةِ لِلْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا. فَاعْتُبِرَ إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ فِي الْجَمَاعَةِ، لِئَلَّا يَفُوتَهُ الشَّرْطُ فِي أَكْثَرِهَا. وَأَمَّا وُجُوبُ قَضَائِهَا مَعَ مَجْمُوعَةٍ إلَيْهَا قَبْلَهَا، فَلِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلْأُولَى حَالَ الْعُذْرِ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ الْمَعْذُورُ لَزِمَهُ فَرْضُهَا. كَمَا يَلْزَمُهُ فَرْضُ الثَّانِيَةِ (وَيَجِبُ) عَلَى مُكَلَّفٍ لَا مَانِعَ بِهِ (قَضَاءُ فَائِتَةٍ فَأَكْثَرَ) مِنْ الْخَمْسِ (مُرَتَّبًا) نَصًّا. لِحَدِيثِ أَحْمَدَ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْأَحْزَابِ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: هَلْ عَلِمَ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنِّي صَلَّيْت الْعَصْرَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتهَا. فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَعَادَ الْمَغْرِبَ وَقَدْ قَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي} وَكَالْمَجْمُوعَتِي نِ (وَلَوْ كَثُرَتْ) الْفَوَائِتُ كَمَا لَوْ قَلَّتْ، فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهَا بِلَا عُذْرٍ لَمْ تَصِحَّ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ كَتَرْتِيبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (إلَّا إذَا خَشِيَ) إنْ رَتَّبَ (فَوَاتَ) صَلَاةٍ (حَاضِرَةٍ) بِخُرُوجِ وَقْتِهَا، فَيُقَدِّمُهَا؛ لِأَنَّهَا آكَدُ، وَتَرْكُهُ أَيْسَرُ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ (أَوْ) إلَّا إذَا خَشِيَ (خُرُوجَ وَقْتِ اخْتِيَارٍ) لِصَلَاةٍ ذَاتِ وَقْتَيْنِ فَيُصَلِّي الْحَاضِرَةَ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَار؛ لِأَنَّهُ كَالْوَقْتِ الْوَاحِد فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ. فَإِنْ صَلَّى الْفَائِتَةَ مَعَ خَشْيَةِ فَوَاتِ الْوَقْتِ صَحَّتْ نَصًّا (وَلَا يَصِحُّ تَنَفُّلُهُ) بِرَاتِبَةٍ وَلَا غَيْرِهَا (إذَنْ) أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لِتَحْرِيمِهِ، كَأَوْقَاتِ النَّهْيِ (أَوْ نَسِيَهُ) أَيْ التَّرْتِيبَ (بَيْنَ فَوَائِتَ حَالَ قَضَائِهَا) فَيَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَمَارَةَ عَلَى الْمَنْسِيَّةِ تُعْلَمُ بِهَا فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهَا النِّسْيَانُ، كَالصِّيَامِ بِخِلَافِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْجَمْعِ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ مَعَ النِّسْيَانِ (أَوْ) إلَّا إذَا نَسِيَ التَّرْتِيبَ بَيْنَ (حَاضِرَةٍ وَفَائِتَةٍ حَتَّى فَرَغَ) مِنْ الْحَاضِرَةِ فَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا نَصًّا. وَأَمَّا حَدِيثُ: صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْأَحْزَابِ السَّابِقِ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي الصَّلَاةِ و(لَا) يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ (إنْ جَهِلَ) مَنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ فَأَكْثَرُ (وُجُوبَهُ) أَيْ التَّرْتِيبَ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالْأَحْكَامِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعِلْمِ لَا يُسْقِطُهَا، كَالْجَهْلِ بِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ كَتَرْتِيبِ الْأَرْكَانِ وَالْمَجْمُوعَتَيْنِ فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ الْفَجْرَ جَاهِلًا ثُمَّ الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا صَحَّتْ عَصْرُهُ لِاعْتِقَادِهِ أَنْ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ. كَمَا لَوْ صَلَّاهَا أَيْ الْعَصْرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِلَا وُضُوءٍ. وَيَجِبُ قَضَاءُ فَائِتَةٍ فَأَكْثَرَ (فَوْرًا) لِحَدِيثِ {مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ فِي بَدَنِهِ) بِضَعْفِهِ (أَوْ) مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ فِي (مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا) لَهُ أَوْ لِعِيَالِهِ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ. وَيُسَنُّ لَهُ التَّحَوُّلُ مِنْ مَوْضِعٍ نَامَ فِيهِ حَتَّى فَاتَتْهُ، لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ) مَا لَمْ (يَحْضُرْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ) فَيُكْرَهُ لَهُ قَضَاءُ الْفَوَائِتِ بِمَوْضِعِهَا. لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ (وَلَا يَصِحُّ نَفْلٌ مُطْلَقٌ إذَنْ) أَيْ حَيْثُ جَازَ التَّأْخِيرُ لِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، كَصَوْمِ نَفْلٍ مِمَّنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ. وَفُهِمَ مِنْهُ: صِحَّةُ نَحْوِ وِتْرٍ وَرَوَاتِبَ (وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ) لِقَضَاءِ الْفَائِتَةِ (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، كَانْتِظَارِ رُفْقَةٍ، أَوْ) انْتِظَارِ (جَمَاعَةٍ لَهَا) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَحِينَ نَامَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَلَا تَسْقُطُ فَائِتَةٌ بِحَجٍّ، وَلَا بِتَضْعِيفِ صَلَاةٍ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ (وَإِنْ ذَكَرَ فَائِتَةً إمَامٌ أَحْرَمَ) (ب) مَكْتُوبَةٍ (حَاضِرَةٍ لَمْ يَضِقْ وَقْتُهَا) أَيْ الْحَاضِرَةِ عَنْهَا وَعَنْ الْفَائِتَةِ بِأَنْ اتَّسَعَ لَهُمَا (قَطَعَهَا) أَيْ قَطَعَ الْإِمَامُ الْحَاضِرَةَ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْطَعْهَا كَانَتْ نَفْلًا. وَالْمَأْمُومُونَ مُفْتَرِضُونَ خَلْفَهُ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُهَا الْمَأْمُومُونَ، فَإِنْ ضَاقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ أَتَمَّهَا الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ: لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ إذَنْ (كَغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْإِمَامِ، وَهُوَ الْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ إذَا أَحْرَمَ بِحَاضِرَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ فَائِتَةً، فَيَقْطَعُهَا (إذَا ضَاقَ) الْوَقْتُ (عَنْهَا) أَيْ الصَّلَاةِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا (وَعَنْ الْمُسْتَأْنَفَةِ) أَيْ الْفَائِتَةِ وَالْحَاضِرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لِغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا. وَلَا يَصِحُّ النَّفَلُ إذَنْ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ عَنْ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا غَيْرُ الْإِمَامِ، وَعَنْ الْمُسْتَأْنَفَةِ بِأَنْ اتَّسَعَ لِذَلِكَ (أَتَمَّهَا) أَيْ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا غَيْرُ الْإِمَامِ أَرْبَعًا أَوْ رَكْعَتَيْنِ (نَفْلًا) اسْتِحْبَابًا لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُهَا، ثُمَّ يَقْضِي الْفَائِتَةَ، ثُمَّ يُصَلِّي الْحَاضِرَةَ، وَيَأْتِي: تُؤَخِّرُ فَجْرَ فَائِتَةٍ لِخَوْفِ فَوْتِ الْجُمُعَةِ. وَلَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِخَشْيَةِ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ (وَمَنْ شَكَّ فِي) قَدْرِ (مَا عَلَيْهِ) مِنْ فَوَائِتَ (وَتَيَقَّنَ سَبْقَ الْوُجُوبِ) بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ بَلَغَ مِنْ سَنَةِ كَذَا، وَصَلَّى الْبَعْضَ مِنْهَا، وَتَرَكَ الْبَعْضَ مِنْهَا (أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ) أَيْ قَضَى مَا تَبْرَأُ بِهِ ذِمَّتُهُ (يَقِينًا) لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِيَقِينٍ. فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِمِثْلِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وَقْتَ الْوُجُوبِ، بِأَنْ لَمْ يَدْرِ مَتَى بَلَغَ وَلَا مَا صَلَّى بَعْدَ بُلُوغِهِ (فَيَلْزَمُهُ) أَنْ يَقْضِيَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئَتْ (مِمَّا تَيَقَّنَ وُجُوبَهُ) أَيْ مِنْ الْفَرْضِ الَّذِي تَيَقَّنَ وُجُوبَهُ فَيَقْضِي مُنْذُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ بَلَغَ لَا مَا زَادَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ عَدَمِ وُجُوبِ أَدَائِهِ فَضْلًا عَنْ قَضَائِهِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فَإِنَّهُ تَحَقَّقَ الْوُجُوبَ وَشَكَّ فِي الْفِعْلِ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (فَلَوْ تَرَكَ) مُكَلَّفٌ (عَشْرَ سَجَدَاتٍ مِنْ صَلَاةِ شَهْرٍ) مَكْتُوبَةٍ (قَضَى صَلَاةَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ سَجْدَةٍ مِنْ يَوْمٍ (وَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً) وَاحِدَةً (مِنْ يَوْمٍ) وَلَيْلَةٍ (وَجَهِلَهَا) أَيْ عَيْنَ الْمَنْسِيَّةِ (قَضَى خَمْسًا) يَنْوِي بِكُلِّ وَاحِدَةٍ أَنَّهَا الْفَائِتَةُ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْمَكْتُوبَةِ وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِذَلِكَ. فَلَزِمَهُ (وَ) مَنْ نَسِيَ (ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ، وَجَهِلَ السَّابِقَةَ) مِنْهُمَا بِأَنْ لَمْ يَدْرِ الظُّهْرَ مِنْ الْيَوْمِ وَالْعَصْرَ مِنْ الثَّانِي، أَوْ بِالْعَكْسِ (تَحَرَّى بِأَيِّهِمَا يَبْدَأُ) أَيْ اجْتَهَدَ أَيَّتَهُمَا نَسِيَ أَوَّلًا فَيَبْدَأُ بِهَا ثُمَّ يَقْضِي الْأُخْرَى نَصًّا، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ (فَإِنْ اسْتَوَيَا) بِأَنْ تَحَرَّى، فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ (فَ) إنَّهُ يَبْدَأُ (بِمَا شَاءَ) مِنْهُمَا، لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ لِلْعُذْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا مِنْهُ وَلَوْ تَرَكَ ظُهْرًا مِنْ يَوْمٍ وَأُخْرَى مِنْهُ، وَلَا يَدْرِي: هِيَ الْفَجْرُ أَمْ الْمَغْرِبُ؟ صَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأ بِالظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ بَرَاءَتَهُ مِمَّا قَبْلَهَا (وَلَوْ شَكَّ مَأْمُومٌ، هَلْ صَلَّى الْإِمَامُ بِهِ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ؟. اعْتَبَرَ بِالْوَقْتِ) فَإِنْ كَانَ وَقْتَ الظُّهْرِ فَهِيَ الظُّهْرُ. وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الْعَصْرِ فَهِيَ الْعَصْرُ، عَمَلًا بِالظَّاهِرِ (فَإِنْ أَشْكَلَ) الْوَقْتُ عَلَى الْمَأْمُومِ نَحْوُ غَيْمٍ (فَالْأَصْلُ عَدَمُ) وُجُوبِ (الْإِعَادَةِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ.
تَتِمَّةٌ: لَوْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا مِنْ إحْدَى طَهَارَتَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهَا لَزِمَهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَتَوَضَّأَ لِلثَّانِيَةِ تَجْدِيدًا لَزِمَهُ إعَادَةُ الْأُولَى خَاصَّةً. لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.
السَّتْرُ بِفَتْحِ السِّينِ مَصْدَرُ سَتَرَ، وَبِكَسْرِهَا: مَا يُسْتَرُ بِهِ (وَهِيَ) أَيْ الْعَوْرَةُ لُغَةً النُّقْصَانُ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْبَحُ. وَمِنْهُ كَلِمَةٌ عَوْرَاءُ، أَيْ قَبِيحَةٌ. وَشَرْعًا (سَوْأَةُ الْإِنْسَانِ) أَيْ قُبُلُهُ أَوْ دُبُرُهُ (وَكُلُّ مَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ) إذَا نُظِرَ إلَيْهِ، أَيْ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ. سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُبْحِ ظُهُورِهِ (حَتَّى فِي نَفْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ) فَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَكْشُوفِهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى سَتْرِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ} وَحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: {قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَكُونُ فِي الصَّيْدِ وَأُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ قَالَ: نَعَمْ وَازِرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ} رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ فِيهِمَا: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، فَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا خَالِيًا أَوْ فِي قَمِيصٍ وَاسِعِ الْجَيْبِ وَلَمْ يُزِرَّهُ وَلَمْ يَشُدَّ عَلَيْهِ وَسَطَهُ، وَكَانَ بِحَيْثُ يَرَى مِنْهُ عَوْرَةَ نَفْسِهِ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ وَنَحْوِهِ: لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ رَآهَا غَيْرُهُ (وَيَجِبُ) سَتْرُ الْعَوْرَةِ (حَتَّى خَارِجَهَا، وَحَتَّى فِي خَلْوَةٍ، وَحَتَّى فِي ظُلْمَةٍ) لِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: {قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ. قَالَ قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضَهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ: إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا تُرِيَنَّهَا قُلْت: فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ. و(لَا) يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ (مِنْ أَسْفَلَ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الرِّجْلَيْنِ، وَإِنْ تَيَسَّرَ النَّظَرُ مِنْ أَسْفَلَ، كَمَنْ صَلَّى عَلَى حَائِطٍ (بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ) مُتَعَلِّقٌ ب يَجِبُ، أَمَّا لَوْنُهَا مِنْ بَيَاضٍ أَوْ سَوَادٍ وَنَحْوِهِ. وَلَوْ كَانَ السَّاتِرُ صَفِيقًا (وَلَوْ) كَانَ السِّتْرُ (ب) غَيْرِ مَنْسُوجٍ مِنْ (نَبَاتٍ وَنَحْوِهِ) كَوَرِقٍ وَلِيفٍ وَجِلْدٍ وَمَضْفُورٍ مِنْ شَعْرٍ أَوْ جُلُودٍ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ ثَوْبٍ. (وَ) لَوْ كَانَ السِّتْرُ (مُتَّصِلًا بِهِ) أَيْ الْمُصَلِّي (كَيَدِهِ) إذَا وَضَعَهَا عَلَى خَرْقٍ فِي ثَوْبِهِ (وَلِحْيَتِهِ) الْمُسْتَرْسِلَةِ عَلَى جَيْبِ ثَوْبِهِ الْوَاسِعِ، وَلَوَلَاهَا لَبَانَتْ عَوْرَتُهُ و(لَا) يَجِبُ السَّتْرُ ب (بَارِيَةٍ) وَهِيَ شِبْهُ الْحَصِيرِ مِنْ قَصَبٍ. (وَ) لَا (حَصِيرٍ)، و(نَحْوِهِمَا مِمَّا يَضُرُّهُ) كَالشَّرِيجَةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا. لِأَنَّ الضَّرَرَ مَطْلُوبٌ زَوَالُهُ شَرْعًا لَا حُصُولُهُ. وَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ الْمُصَلِّي فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ (وَ) لَا يَجِبُ السَّتْرُ (لَا بِحَفِيرَةٍ وَطِينٍ وَمَاءٍ كَدِرٍ لِعَدَمِ) غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُتْرَةٍ. (وَيُبَاحُ كَشْفُهَا) أَيْ الْعَوْرَةِ (لِتَدَاوٍ وَتَخَلٍّ وَنَحْوِهِمَا) كَاغْتِسَالٍ وَحَلْقِ عَانَةٍ وَخِتَانٍ وَمَعْرِفَةِ بُلُوغٍ وَبَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ، لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. (وَ) يُبَاحُ كَشْفُهَا مِنْ أُنْثَى (لِمُبَاحٍ) لَهَا مِنْ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا (و) يُبَاحُ لِذَكَرٍ كَشْفُ عَوْرَتِهِ (لِمُبَاحَةٍ لَهُ) مِنْ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ لِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ. وَتَقَدَّمَ وَلَا يَحْرُمُ نَظَرُ عَوْرَتِهِ حَيْثُ جَازَ كَشْفُهَا وَلَا لَمْسُهَا (وَعَوْرَةُ ذَكَرٍ وَخُنْثَى) حُرَّيْنِ كَانَا أَوْ رَقِيقَيْنِ أَوْ مُبَعَّضَيْنِ (بَلَغَا) أَيْ اسْتَكْمَلَا (عَشْرًا) مِنْ السِّنِينَ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا {لَا تُبْرِزْ فَخِذَك وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَلِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ يَرْفَعُهُ {أَسْفَلَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْعَوْرَةِ} وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا {مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ} رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ. قَالَ الْمَجْدُ: وَالِاحْتِيَاطُ لِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ: أَنْ يَسْتُرَ كَالْمَرْأَةِ. (وَ) عَوْرَةُ (أَمَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ) وَمُدَبَّرَةٍ وَمُكَاتَبَةٍ (وَمُبَعَّضَةٍ) بَعْضُهَا حُرٌّ وَبَعْضُهَا رَقِيقٌ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الْحُرَّةِ فَأُلْحِقَتْ بِالرَّجُلِ. وَيُسْتَحَبُّ اسْتِتَارُهُنَّ كَالْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ (وَ) عَوْرَةُ (حُرَّةٍ مُمَيِّزَةٍ) تَمَّ لَهَا سَبْعُ سِنِينَ. (وَ) عَوْرَةُ (حُرَّةٍ مُرَاهِقَةٍ) قَارَبَتْ الْبُلُوغَ (مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) لِمَفْهُومِ حَدِيثِ {لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ} وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّ السُّرَّةَ وَالرُّكْبَةَ لَيْسَا مِنْ الْعَوْرَةِ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّلَاةِ. (وَ) عَوْرَةُ ذَكَرٍ وَخُنْثَى (ابْنِ سَبْعِ) سِنِينَ (الْفَرْجَانِ) لِقُصُورِهِ عَنْ ابْنِ عَشْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بُلُوغُهُ. وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ دُونَ سَبْعٍ لَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الطُّفُولِيَّةِ مُنْجَرٌّ عَلَيْهِ إلَى التَّمْيِيزِ (وَالْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ) حَتَّى ظُفْرُهَا نَصًّا (إلَّا وَجْهَهَا) لِحَدِيثِ {الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِهَا تُرِكَ فِي الْوَجْهِ لِلْإِجْمَاعِ، فَيَبْقَى الْعُمُومُ فِيمَا عَدَاهُ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَا: (الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ) خَالَفَهُمَا ابْنُ مَسْعُودٍ. فَقَالَ: " الثِّيَابُ " وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى كَشْفِ الْكَفَّيْنِ كَمَا تَدْعُو إلَى كَشْفِ الْوَجْهِ، وَقِيَاسًا لَهُمَا عَلَى الْقَدَمَيْنِ. وَأَمَّا عَوْرَتُهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ: فَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ (وَيُسَنُّ صَلَاةُ رَجُلٍ) حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ (فِي ثَوْبَيْنِ) كَقَمِيصٍ وَرِدَاءٍ أَوْ إزَارٍ وَسَرَاوِيلَ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا. قَالَ جَمَاعَةٌ: مَعَ سَتْرِ رَأْسِهِ وَالْإِمَامُ أَبْلَغُ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ. وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: {قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلَا يَأْتَزِرُونَ، فَقَالَ: تَسَرْوَلُوا وَاتَّزِرُوا، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ} وَلَا تُكْرَهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَالْقَمِيصُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَبْلَغُ ثُمَّ الرِّدَاءُ، ثُمَّ الْمِئْزَرُ أَوْ السَّرَاوِيلُ (وَيَكْفِي سَتْرُ عَوْرَتِهِ) أَيْ الرَّجُلِ (فِي نَفْلٍ) لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ بَعْضُهُ عَلَى أَهْلِهِ} وَالثَّوْبُ الْوَاحِدُ لَا يَتَّسِعُ لِذَلِكَ مَعَ سَتْرِ الْمَنْكِبَيْنِ. وَلِأَنَّ عَادَةَ الْإِنْسَان فِي بَيْتِهِ وَخَلَوَاتِهِ قِلَّةُ اللِّبَاسِ وَتَخْفِيفُهُ. وَغَالِبُ نَفْلِهِ يَقَعُ فِيهِ، فَسُومِحَ فِيهِ لِذَلِكَ، كَمَا سُومِحَ فِيهِ بِتَرْكِ الْقِيَامِ وَنَحْوِهِ (وَشُرِطَ فِي فَرْضٍ) ظَاهِرَةٌ وَلَوْ فَرْضَ كِفَايَةٍ، مَعَ سَتْرِ عَوْرَةٍ (سَتْرُ جَمِيعِ أَحَدِ عَاتِقَيْهِ) أَيْ الرَّجُلِ، وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى (بِلِبَاسٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {لَا يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالْعَاتِقُ: مَوْضِع الرِّدَاءِ مِنْ الْمَنْكِبِ وَلَا فَرْقَ فِي اللِّبَاسِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا سَتَرَ بِهِ عَوْرَتَهُ أَوْ غَيْرَهُ (وَلَوْ وَصَفَ) اللِّبَاسُ (الْبَشَرَةَ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ} فَإِنَّهُ يَعُمُّ مَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ وَمَا لَا يَسْتُرُ (وَتُسَنُّ صَلَاةُ حُرَّةٍ) بَالِغَةٍ (فِي دِرْعٍ) وَهُوَ الْقَمِيصُ (وَخِمَارٍ) وَهُوَ مَا تَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهَا وَتُدِيرُهُ تَحْتَ حَلَقِهَا (وَمِلْحَفَةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ ثَوْبٌ تَلْتَحِفُ بِهِ، وَتُسَمَّى جِلْبَابًا. لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا " كَانَتْ تَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ فِي الْخِمَارِ وَالْإِزَارِ وَالدِّرْعِ فَتُسْبِلُ الْإِزَارَ، فَتَتَجَلْبَبُ بِهِ، وَكَانَتْ تَقُولُ: ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ لَا بُدَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ إذَا وَجَدَتْهَا: الْخِمَارُ وَالْجِلْبَابُ وَالدِّرْعُ " وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَوْفَى عَوْرَةً مِنْ الرَّجُلِ (وَتُكْرَهُ) صَلَاتُهَا (فِي نِقَابٍ وَبُرْقُعٍ) لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمُبَاشَرَةِ الْمُصَلِّي بِالْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ، وَيُغَطِّي الْفَمَ. وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ عَنْهُ (وَيُجْزِئُ) امْرَأَةً (سَتْرُ عَوْرَتِهَا) قَالَ أَحْمَدُ: اتَّفَقَ عَامَّتُهُمْ عَلَى الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ. وَمَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ وَأَسْتَرُ (وَإِذَا انْكَشَفَ) بِلَا قَصْدٍ (لَا عَمْدًا فِي صَلَاةٍ مِنْ عَوْرَةِ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى (يَسِيرٌ لَا يَفْحُشُ عُرْفًا) لِأَنَّهُ لَا تَحْدِيدَ فِيهِ شَرْعًا فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْحِرْزِ، فَإِنْ فَحُشَ وَطَالَ الزَّمَنُ بَطَلَتْ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْجَيْنِ (وَغَيْرِهِمَا) لَكِنْ يُعْتَبَرُ (الْفُحْشُ فِي كُلِّ عُضْوٍ بِحَسَبِهِ،) إذْ يَفْحُشُ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ مَا لَا يَفْحُشُ مِنْ غَيْرِهَا (فِي النَّظَرِ) مُتَعَلِّقٌ ب يَفْحُشُ، أَيْ لَوْ نُظِرَ إلَيْهِ. (وَلَوْ) كَانَ الِانْكِشَافُ زَمَنًا (طَوِيلًا) لَمْ تَبْطُلْ. لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ {انْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَعَلَّمَهُمْ الصَّلَاةَ، وَقَالَ: يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَكُنْت أَقْرَأَهُمْ، فَقَدَّمُونِي فَكُنْت أَؤُمُّهُمْ، وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَفْرَاءُ صَغِيرَةٌ، فَكُنْت إذَا سَجَدْت انْكَشَفَتْ عَنِّي فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسَاءِ: وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا فَمَا فَرِحْت بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِهِ}. وَفِي لَفْظٍ {كُنْت أَؤُمُّهُمْ فِي بُرْدَةٍ مُوَصَّلَةٍ فِيهَا فَتْقٌ فَكُنْت إذَا سَجَدْت فِيهَا خَرَجَتْ اسْتِي} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَانْتَشَرَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ الِاجْتِزَازُ مِنْهُ إذْ ثِيَابُ الْفُقَرَاءِ لَا تَخْلُو غَالِبًا مِنْ خَرْقٍ وَثِيَابُ الْأَغْنِيَاءِ مِنْ فَتْقٍ (أَوْ) انْكَشَفَتْ لَا عَمْدًا مِنْ عَوْرَةٍ (كَثِيرَةٍ فِي) زَمَنٍ (قَصِيرٍ) كَمَا لَوْ أَطَارَتْ الرِّيحُ سُتْرَتَهُ فَأَعَادَهَا سَرِيعًا (لَمْ تَبْطُلْ) الصَّلَاةُ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ. بَطَلَتْ. لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ. (وَمَنْ صَلَّى فِي غَصْبٍ) أَيْ مَغْصُوبٍ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً، وَمِثْلُهُ مَسْرُوقٌ وَنَحْوُهُ، وَمَا ثَمَنُهُ الْمُعَيَّنُ حَرَامٌ (وَلَوْ) كَانَ الْمَغْصُوبُ (بَعْضُهُ) مُشَاعًا أَوْ مُعَيَّنًا، فِي مَحَلِّ الْعَوْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْبَيْعِ (ثَوْبًا) كَانَ الْمَغْصُوبُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ (أَوْ بُقْعَةٍ) لَمْ تَصِحَّ. وَيُلْحَقُ بِهِ لَوْ صَلَّى فِي سَابَاطٍ لَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ، أَوْ غَصَبَ رَاحِلَةً وَصَلَّى عَلَيْهَا، أَوْ لَوْحًا فَجَعَلَهُ سَفِينَةً. أَوْ صَلَّى فِي مَنْسُوجٍ (ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ) فِي حَرِيرٍ) كُلُّهُ (أَوْ) فِيمَا (غَالِبُهُ) حَرِيرٌ (حَيْثُ حُرِّمَ) الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْحَرِيرُ، بِأَنْ كَانَ عَلَى ذَكَرٍ، وَلَمْ يَكُنْ الْحَرِيرُ لِحَاجَةٍ لَمْ تَصِحَّ (أَوْ حَجَّ بِغَصْبٍ) أَيْ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ، أَوْ عَلَى حَيَوَانٍ مَغْصُوبٍ (عَالِمًا) بِأَنَّ مَا صَلَّى فِيهِ أَوْ حَجَّ بِهِ مُحَرَّمٌ (ذَاكِرًا) لَهُ وَقْتَ الْعِبَادَةِ (لَمْ يَصِحَّ) مَا فَعَلَهُ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا {مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ} أَخْرَجُوهُ وَلِأَحْمَدَ {مَنْ صَنَعَ أَمْرًا عَلَى غَيْرِ أَمْرِنَا فَهُوَ مَرْدُودٌ} وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ، وَقِيَامُهُ وَقُعُودُهُ وَسَيْرُهُ بِمُحَرَّمٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَلَا يَكُونُ مُتَقَرِّبًا بِمَا هُوَ عَاصٍ بِهِ. وَلَا مَأْمُورًا بِمَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا لِلْغَصْبِ وَنَحْوِهِ صَحَّ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا. فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا مُحَرَّمٌ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ أَيْضًا. لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَمْ يَتَعَيَّنْ سَاتِرًا، تَحْتَانِيًّا كَانَ أَوْ فَوْقَانِيًّا، إذْ أَيُّهُمَا قُدِّرَ عَدَمُهُ كَانَ الْآخَرُ سَاتِرًا (وَإِنْ غَيَّرَ هَيْئَةَ مَسْجِدٍ) غَصَبَهُ (فَكَغَصْبِهِ) لِمَكَانِ غَيْرِهِ فِي صَلَاتِهِ فِيهِ (لَا إنْ مَنَعَهُ) أَيْ الْمَسْجِدَ (غَيْرَهُ) بِأَنْ مَنَعَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَأَبْقَاهُ عَلَى هَيْئَتِهِ فَلَيْسَ كَغَصْبِهِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَنْعُ، وَكَذَا لَوْ زَحَمَهُ وَصَلَّى مَكَانَهُ. وَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ إذَا أَقَامَ غَيْرَهُ وَصَلَّى مَكَانَهُ (وَلَا يُبْطِلُهَا) أَيْ الصَّلَاةَ (لُبْسُ عِمَامَةٍ وَخَاتَمٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُمَا) كَعِمَامَةِ حَرِيرٍ وَخَاتَمِ ذَهَبٍ، أَوْ غَصْبٌ (وَنَحْوِهِمَا) كَخُفٍّ وَتِكَّةٍ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَعُودُ إلَى شَرْطِ الصَّلَاةِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا، كَمَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا وَوَضَعَهُ بِكُمِّهِ وَيَصِحُّ الْأَذَانُ وَالصَّوْمُ وَالْوُضُوءُ وَالْبَيْعُ وَنَحْوُهُ بِغَصْبٍ، وَكَذَا صَلَاةُ مَنْ طُولِبَ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا قَبْلَهُ، وَعِبَادَةُ مَنْ تَقَوَّى عَلَيْهَا بِمُحَرَّمٍ (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِمَّنْ حُبِسَ بِغَصْبٍ) بِهِ. (وَكَذَا) مِمَّنْ حُبِسَ (بِنَجِسَةٍ) وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِيَابِسَةٍ لِأَنَّ السُّجُودَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَمُجْمَعٌ عَلَى فَرِيضَتِهِ وَعَدَمِ سُقُوطِهِ بِخِلَافِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ (وَيُومِئُ) مَنْ حُبِسَ بِبُقْعَةٍ نَجِسَةٍ (بِرَطْبَةٍ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ، وَيَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ) تَقْلِيلًا لِلنَّجَاسَةِ لِحَدِيثِ {إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وَعُلِمَ مِنْهُ: صِحَّةُ صَلَاتِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ شَرْطِهَا وَهُوَ إبَاحَةُ الْبُقْعَةِ وَطَهَارَتُهَا. (وَيُصَلِّي) عَاجِزٌ عَنْ سُتْرَةٍ مُبَاحَةٍ (عُرْيَانًا مَعَ) ثَوْبِ (غَصْبٍ) لِأَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَلِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِحَقٍّ آدَمِيٍّ أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَاءً مَغْصُوبًا. (وَ) يُصَلِّي (فِي) ثَوْبِ (حَرِيرٍ لِعَدَمِ) غَيْرِهِ وَلَوْ مُعَارًا، لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي لُبْسِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، كَالْحَكَّةِ وَضَرُورَةِ الْبَرْدِ وَعَدَمِ سُتْرَةٍ غَيْرِهِ، فَقَدْ زَالَتْ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِيهِ (وَلَا إعَادَةَ) عَلَى مَنْ صَلَّى عُرْيَانًا مَعَ غَصْبٍ أَوْ فِي حَرِيرٍ، لِعَدَمٍ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) يُصَلِّي (فِي) ثَوْبٍ (نَجِسٍ لِعَدَمِ) غَيْرِهِ مَعَ عَجْزٍ عَنْ تَطْهِيرِهِ فِي الْوَقْتِ. لِأَنَّ السُّتْرَةَ آكَدُ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، لِوُجُوبِهِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا. وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ بِهِ (وَيُعِيدُ) مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ لِعَدَمٍ. لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اجْتِنَابِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْآكَدَ عِنْدَ التَّزَاحُمِ، فَإِذَا زَالَ الْمُزَاحِمُ بِوُجُودِ ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ لِاسْتِدْرَاكِ مَا حَصَلَ مِنْ الْخَلَلِ، بِخِلَافِ الْمَحْبُوسِ بِمَكَانٍ نَجِسٍ، فَإِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الِانْتِقَالِ عَنْهُ بِكُلِّ حَالٍ. وَمَنْ عِنْدَهُ ثَوْبَانِ نَجِسَانِ صَلَّى فِي أَقَلِّهِمَا نَجَاسَةً، وَإِنْ كَانَ طَرَفُ الثَّوْبِ نَجِسًا وَأَمْكَنَهُ السَّتْرُ بِالطَّاهِرِ لَزِمَهُ (وَلَا يَصِحُّ نَفْلُ) صَلَاةِ (آبِقٍ) لِأَنَّ زَمَنَهُ مَغْصُوبٌ، بِخِلَافِ فَرْضِهِ فَإِنَّ زَمَنَهُ مُسْتَثْنًى شَرْعًا. (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ) أَوْ مَنْكِبَهُ فَقَطْ وَأَرَادَ الصَّلَاةَ سَتَرَهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {مَنْ كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ وَلْيَرْتَدِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ ثُمَّ لِيُصَلِّ،} رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا {وَإِذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوِكَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَفِيهَا أَوْلَى (أَوْ) لَمْ يَجِدْ إلَّا (مَا يَسْتُرُ الْفَرْجَيْنِ) سَتَرَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا عَوْرَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَفْحَشُ فِي النَّظَرِ (أَوْ) لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ (أَحَدَهُمَا سَتَرَهُ، وَالدُّبُرُ أَوْلَى) مِنْ الْقُبُلِ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ. وَيَنْفَرِجُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (إلَّا إذَا كَفَتْ) السُّتْرَةُ عَوْرَتَهُ فَقَطْ، أَوْ (مَنْكِبَهُ وَعَجُزَهُ فَقَطْ) دُونَ دُبُرِهِ، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ، وَالظَّاهِرُ دُونَ قُبُلِهِ (فَيَسْتُرُهُمَا) أَيْ الْمَنْكِبَ وَالْعَجُزَ وُجُوبًا؛. لِأَنَّ سَتْرَ الْمَنْكِبِ لَا بَدَلَ لَهُ، وَصَحَّ الْحَدِيثُ بِالْأَمْرِ بِهِ فَمُرَاعَاتُهُ أَوْلَى (وَيُصَلِّي جَالِسًا) نَدْبًا لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْعُرْيَانَ (تَحْصِيلُ سُتْرَةٍ بِثَمَنِ مِثْلِهَا) فِي مَكَانِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ. وَكَذَا لَوْ وَجَدَهَا تُؤَجَّرُ، وَقَدَرَ عَلَى الْأُجْرَةِ فَاضِلَةً عَنْ حَاجَتِهِ (فَإِنْ زَادَ) ثَمَنُهَا عَنْ قِيمَةِ مِثْلِهَا فِي مَكَانِهَا (فَكَمَاءِ وُضُوءٍ) إنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لَزِمَتْهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَيَلْزَمُهُ (قَبُولُهَا عَارِيَّةً) إنْ بُذِلَتْ لَهُ. لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى سَتْرِ عَوْرَتِهِ بِمَا لَا تَكْثُرُ فِيهِ الْمِنَّةُ. وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِعَارَتُهَا، و(لَا) قَبُولُهَا (هِبَةً) لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ (فَإِنْ عَدِمَ) السُّتْرَةَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا بِبَيْعٍ وَلَا إجَارَةٍ، وَلَمْ تُبْذَلْ لَهُ عَارِيَّةٌ (صَلَّى جَالِسًا نَدْبًا، يُومِئ) بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ (وَلَا يَتَرَبَّعُ) فِي جُلُوسِهِ (بَلْ يَنْضَمُّ) أَيْ يَضُمُّ إحْدَى فَخِذَيْهِ إلَى الْأُخْرَى. لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي قَوْمٍ انْكَسَرَتْ بِهِمْ مَرَاكِبُهُمْ فَخَرَجُوا عُرَاةً قَالَ: {يُصَلُّونَ جُلُوسًا يُومِئُونَ بِرُءُوسِهِمْ} وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُهُ. وَلِأَنَّ السَّتْرَ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ، لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ فِي فَرْضٍ، وَلَا نَفْلٍ وَلَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا جَازَ، وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِالْأَرْضِ (وَإِنْ وَجَدَهَا) أَيْ السُّتْرَةَ (مُصَلٍّ) عُرْيَانًا (قَرِيبَةً) مِنْهُ (عُرْفًا) أَيْ بِحَيْثُ تُعَدُّ فِي الْعُرْفِ قَرِيبَةً (سَتَرَ) بِهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ سَتْرُهُ (وَبَنَى) عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ، قِيَاسًا عَلَى أَهْلِ قُبَاءَ، لَمَّا عَلِمُوا بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا إلَيْهَا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ (وَإِلَّا) إنْ كَانَتْ بَعِيدَةً وَلَا يُمْكِنُهُ السَّتْرُ بِهَا إلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ وَزَمَنٍ طَوِيلٍ سَتَرَ، و(ابْتَدَأَ) صَلَاتَهُ لِبُطْلَانِهَا (وَكَذَا مَنْ عَتَقَتْ) فِيهَا أَيْ الصَّلَاةِ (وَاحْتَاجَتْ إلَيْهَا) أَيْ السُّتْرَةِ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَتِرَةً كَحُرَّةٍ، فَإِنْ كَانَ الْخِمَارُ قَرِيبًا تَخَمَّرَتْ وَبَنَتْ، وَإِلَّا تَخَمَّرَتْ وَابْتَدَأَتْ، وَكَذَا مَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ ثَوْبَهَا فِيهَا، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالْعِتْقِ أَوْ وُجُوبِ السَّتْرِ، أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا مَعَ كَشْفِ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ وَقُدْرَتِهَا عَلَيْهِ (وَيُصَلِّي الْعُرَاةُ جَمَاعَةً وَإِمَامُهُمْ وَسَطًا) أَيْ لَا يَتَقَدَّمُهُمْ (وُجُوبًا فِيهِمَا) أَيْ فِي مَسْأَلَتَيْ وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِمْ، وَكَوْنِ إمَامِهِمْ وَسَطَهُمْ، أَمَّا الْأُولَى: فَلِأَنَّهُمْ قَدَرُوا عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ. أَشْبَهُوا الْمُسْتَتِرِينَ وَكَحَالِ الْخَوْفِ وَأَوْلَى، وَلَا تَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ بِفَوْتِ سُنَّةِ الْمَوْقِفِ، وَأَمَّا الثَّانِيَة، فَلِأَنَّهُ سِتْرٌ مِنْ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ تَقَدَّمَهُمْ بَطَلَتْ، إنْ لَمْ يَكُونُوا عُمْيَانًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ. فَإِنْ كَانَ الْعُرَاةُ أَكْثَرَ مِنْ نَوْعٍ كَنِسَاءٍ وَرِجَالٍ، صَلَّى (كُلُّ نَوْعٍ جَانِبًا) لِأَنْفُسِهِمْ، حَتَّى لَا يَرَى بَعْضُهُمْ عَوْرَةَ بَعْضٍ إنْ اتَّسَعَ الْمَحَلُّ (فَإِنْ شَقَّ) ذَلِكَ لِنَحْوِ ضِيقٍ (صَلَّى الْفَاضِلُ) وَهُمْ الرِّجَالُ (وَاسْتَدْبَرَ مَفْضُولٌ) وَهُمْ النِّسَاءُ (ثُمَّ عَكَسَ) فَيُصَلِّي النِّسَاءُ وَيَسْتَدْبِرْهُنَّ الرِّجَالُ، لِأَنَّ النِّسَاءَ إنْ وَقَفْنَ مَعَ الرِّجَالِ صَفًّا مَعَ سَعَةِ الْمَحَلِّ أَخْطَأْنَ سُنَّةَ الْمَوْقِفِ، وَإِنْ صَلَّيْنَ خَلْفَهُمْ شَاهَدْنَ عَوْرَاتِهِمْ، وَرُبَّمَا اُفْتُتِنَّ بِهِمْ (وَمَنْ أَعَارَهُ) وَنَحْوُهُ (سُتْرَتَهُ) لِمَنْ يُصَلِّي فِيهَا (وَصَلَّى) أَيْ صَاحِبُهَا (عُرْيَانًا لَمْ تَصِحَّ) صَلَاتُهُ لِتَرْكِهِ السَّتْرَ مَعَ الْقُدْرَةِ. (وَتُسَنُّ) إعَارَةُ السُّتْرَةِ لِلصَّلَاةِ (إذَا صَلَّى) رَبُّهَا لِتَكْمُلَ صَلَاةُ الْمُسْتَعِيرِ (وَيُصَلِّي بِهَا) بَعْدَ رَبِّهَا، إنْ تَعَدَّدَ الْعُرَاةُ (وَاحِدٌ فَآخَرُ) حَتَّى يَنْتَهُوا مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ، لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ بِشَرْطِهَا. (وَيُقَدَّمُ إمَامٌ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ) وَيَقِفُ قُدَّامَهُمْ لِاسْتِتَارِ عَوْرَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّهَا صَلَّى وَصَلَحَ لِلْإِمَامَةِ صَلَّى بِهِمْ (وَالْمَرْأَةُ) الْعَارِيَّةُ (أَوْلَى) بِالسُّتْرَةِ تُعَارُ مِنْ الرَّجُلِ حَتَّى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ عَوْرَتَهَا أَفْحَشُ وَسَتْرُهَا أَبْعَدُ مِنْ الْفِتْنَةِ. فَصْلٌ فِي جُمْلَةٍ مِنْ أَحْكَامِ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا (كُرِهَ فِي صَلَاةٍ) فَقَطْ (سَدْلٌ وَهُوَ طَرْحُ ثَوْبٍ عَلَى كَتِفَيْهِ) أَيْ الْمُصَلِّي (وَلَا يَرُدُّ طَرَفَهُ) أَيْ الثَّوْبِ (عَلَى) الْكَتِفِ (الْأُخْرَى) سَوَاءٌ كَانَ تَحْتَهُ ثَوْبٌ أَوْ لَا. وَالنَّهْيُ فِيهِ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ وَخَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ نُقِلَ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ رَدَّ طَرَفَهُ عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى. وَفِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ: أَوْ ضَمَّ طَرَفَيْهِ بِيَدَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ، وَلَا بَأْسَ بِطَرْحِ الْقَبَاءِ عَلَى كَتِفَيْهِ بِلَا إدْخَالِ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا فِي صَلَاةٍ (اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَهُوَ أَنْ يَضْطَبِعَ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ {نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ مِنْهُ، يَعْنِي شَيْءٌ} أَخْرَجُوهُ. وَالِاضْطِبَاعُ: أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ. فَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ ثَوْبٌ فَلَا كَرَاهَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَبَدَتْ عَوْرَتُهُ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، وَإِنْ احْتَبَى وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ جَازَ، وَإِلَّا حَرُمَ. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا فِي صَلَاةٍ (تَغْطِيَةُ وَجْهٍ، وَتَلَثُّمٌ عَلَى فَمٍ وَأَنْفٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَغْطِيَةِ الْفَمِ، وَقِيَاسُهُ: تَغْطِيَةُ الْأَنْفِ، وَفِي تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ تَشَبُّهٌ بِالْمَجُوسِ عِنْدَ عِبَادَتِهِمْ النِّيرَانَ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا مَنَعَ تَحْقِيقَ الْحُرُوفِ. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا فِي صَلَاةٍ (لَفُّ كُمٍّ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَا أَكُفَّ شَعَرًا وَلَا ثَوْبًا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَتَشْمِيرُهُ وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ تَغْطِيَةِ وَجْهٍ وَمَا بَعْدَهُ: إنْ كَانَ (بِلَا سَبَبٍ) قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ. وَقِيَاسُهُ: كَفُّ الْكُمِّ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ السَّدْلُ وَمَا بَعْدَهُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ لَمْ يُكْرَهْ. (وَ) كُرِهَ (مُطْلَقًا) فِي صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا (تَشَبُّهٌ بِكُفَّارٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَيْ هَذَا الْحَدِيث أَنْ يَقْتَضِيَ تَحْرِيمَ التَّشَبُّهِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي كُفْرَ الْمُتَشَبَّهِ بِهِمْ. وَقَالَ: وَلَمَّا صَارَتْ الْعِمَامَةُ الصَّفْرَاءُ وَالزَّرْقَاءُ مِنْ شِعَارِهِمْ: حَرُمَ لُبْسُهُمَا. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا مُطْلَقًا جَعْلُ صِفَةِ (صَلِيبٍ فِي ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ) كَعِمَامَةٍ وَخَاتَمٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنَّصَارَى. وَظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ: تَحْرِيمُهُ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا مُطْلَقًا (شَدُّ وَسَطٍ) بِفَتْحِ السِّينِ (ب) شَيْءٍ (شِبْهِ) شَدِّ (زُنَّارٍ) بِوَزْنِ تُفَّاحٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ وَقَدْ نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيُّ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ. فَقَالَ {لَا تَشْتَمِلُوا اشْتِمَالَ الْيَهُودِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَأَمَّا شَدُّ الرَّجُلِ وَسَطَهُ بِمَا لَا يُشْبِه ذَلِكَ. فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ. أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ {لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ مُحْتَزِمٌ} وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي وَعَلَيْهِ الْقَمِيصُ، يَأْتَزِرُ بِالْمِنْدِيلِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ. (وَ) كُرِهَ شَدُّ وَسَطِ (أُنْثَى مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ يُشْبِهُ شَدَّ زُنَّارٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ يُبَيَّنُ بِهِ حَجْمُ عَجِيزَتِهَا، وَتُبَيَّنُ بِهِ تَقَاطِيعُ بَدَنِهَا. وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ، دُونَ خَارِجِهَا. وَاسْتَدَلَّ لَهُ (وَ) كُرِهَ أَيْضًا (مَشْيٌ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَنَصُّهُ: وَلَوْ يَسِيرًا، لِإِصْلَاحِ الْأُخْرَى لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ {إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا} وَأَيْضًا عَنْ جَابِرٍ، وَفِيهِ {وَلَا خُفٍّ وَاحِدٍ} وَلِأَنَّهُ مِنْ الشُّهْرَةِ. وَيُسَنُّ كَوْنُ النَّعْلِ أَصْفَرَ وَالْخُفِّ أَحْمَرَ وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي مِنْ أَصْحَابِنَا أَوْ أَسْوَدَ. وَيُسَنُّ تَعَاهُدُهَا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ لِنَعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَالَانِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ السَّيْرُ بَيْنَ الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَاسْتَحَبَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ: الصَّلَاةَ فِي النَّعْلِ الطَّاهِرِ. وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: الْأَوْلَى حَافِيًا. وَفِيَ الْإِقْنَاعِ: لَا يُكْرَهُ الِانْتِعَالُ قَائِمًا. وَفِي النَّظْمِ: يُكْرَهُ لُبْسُ خُفٍّ وَإِزَارٍ وَسَرَاوِيلَ قَائِمًا، وَلَعَلَّهُ جَالِسًا أَوْلَى (وَ) كُرِهَ أَيْضًا مُطْلَقًا (لُبْسُهُ) أَيْ الرَّجُلِ لَا الْمَرْأَةِ (مُعَصْفَرًا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ {رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ، فَلَا تَلْبَسْهَا} وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَيْهِ رَيْطَةً مُضَرَّجَةً بِالْعُصْفُرِ. فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: فَعَرَفْتُ مَا كَرِهَ. فَأَتَيْت أَهْلِي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورَهُمْ، فَقَذَفْتهَا فِيهِ. ثُمَّ أَتَيْته فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: أَلَا كَسَوْتهَا بَعْضَ أَهْلِك؟ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلنِّسَاءِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (فِي غَيْرِ إحْرَامٍ) فَلَا يُكْرَهُ الْمُعَصْفَرُ فِيهِ نَصًّا (وَ) كُرِهَ أَيْضًا لُبْسُ رَجُلٍ (مُزَعْفَرًا) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {نَهَى الرِّجَالَ عَنْ التَّزَعْفُرِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَ) كُرِهَ أَيْضًا لُبْسُ رَجُلٍ (أَحْمَرَ مُصْمَتًا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ {مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ عَلَيْهِ بُرْدَانِ أَحْمَرَانِ، فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ} وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بِطَانَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصْمَتًا أَيْ مُنْفَرِدًا، فَلَا كَرَاهَةَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ لُبْسُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا لُبْسُ رَجُلٍ (طَيْلَسَانًا، وَهُوَ الْمُقَوَّرُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ لُبْسَ رُهْبَانِ الْمَلَكِيِّينَ مِنْ النَّصَارَى. وَلَا يُكْرَهُ لُبْسُ غَيْرِ الْمُقَوَّرِ. (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا لُبْسُهُ (جِلْدًا مُخْتَلَفًا فِي نَجَاسَتِهِ وَافْتِرَاشُهُ) مَعَ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهِ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَمَعَ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ يَحْرُمُ، إلَّا مَا نَجِسَ بِمَوْتِهِ وَدُبِغَ، كَمَا سَبَقَ. و(لَا) يُكْرَهُ (إلْبَاسُهُ) أَيْ الْجِلْدِ الْمُخْتَلَفِ فِي نَجَاسَتِهِ (دَابَّتَهُ) لِأَنَّ حُرْمَتَهَا لَيْسَتْ كَحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ، وَيَحْرُمُ إلْبَاسُهَا ذَهَبًا وَفِضَّةً، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَحَرِيرًا. (وَ) يُكْرَهُ (كَوْنُ ثِيَابِهِ) أَيْ الرَّجُلِ (فَوْقَ نِصْفِ سَاقِهِ) نَصًّا. وَلَعَلَّهُ لِئَلَّا تَبْدُوَ عَوْرَتُهُ (أَوْ تَحْتَ كَعْبِهِ بِلَا حَاجَةٍ) لِلْخَبَرِ. فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ كَحُمُوشَةِ سَاقِهِ لَمْ يُكْرَهْ، إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّدْلِيسَ (وَ) يُبَاحُ (لِلْمَرْأَةِ زِيَادَةُ) ذَيْلِهَا (إلَى ذِرَاعٍ) لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ {يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: يُرْخِينَ شِبْرًا، فَقَالَتْ: إذَنْ تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ: فَيُرْخِينَ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَحَرُمَ أَنْ يُسْبِلَهَا) أَيْ ثِيَابَ الرَّجُلِ (بِلَا حَاجَةٍ خُيَلَاءَ) قَمِيصًا كَانَتْ أَوْ إزَارًا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ عِمَامَةً، فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، لِحَدِيثِ {مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ لِحَاجَةٍ بِلَا خُيَلَاءَ (فِي غَيْرِ حَرْبٍ) وَفِيهِ: لَا يَحْرُمُ لِإِرْهَابِ الْعَدُوِّ. (وَ) حَرُمَ (حَتَّى عَلَى أُنْثَى لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ وَتَعْلِيقُهُ، وَسَتْرُ جُدُرٍ بِهِ، وَتَصْوِيرُهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ: لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ} وَقَالَ {إنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ. وَعَنْ جَابِرٍ {نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ، وَنَهَى أَنْ يُصْنَعَ ذَلِكَ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَإِنْ أُزِيلَ مِنْ الصُّورَةِ مَا لَا يَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ لَمْ يُكْرَه. نَصًّا، وَمِثْلُهُ صُورَةُ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا تَصْوِيرُهُ. و(لَا) يَحْرُمُ (افْتِرَاشُهُ) أَيْ الْمُصَوَّرِ (وَجَعْلُهُ مِخَدًّا) وَلَا يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اتَّكَأَ عَلَى مِخَدَّةٍ فِيهَا صُورَةٌ} رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَ) حَرُمَ (عَلَى غَيْرِ أُنْثَى) مِنْ رَجُلٍ وَخُنْثَى (حَتَّى كَافِرٍ لُبْسُ مَا كُلُّهُ وَمَا غَالِبُهُ ظُهُورًا حَرِيرٌ، وَلَوْ) كَانَ (بِطَانَةً) لِحَدِيثِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسهُ فِي الْآخِرَةِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَكَوْنُ عُمَرَ {بَعَثَ بِمَا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَخٍ لَهُ مُشْرِكٍ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهَا. وَقَدْ {بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُسَامَةَ} وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ إبَاحَةُ لُبْسِهِ، وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ (وَ) وَحَرُمَ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ أُنْثَى (افْتِرَاشُهُ) أَيْ الْحَرِيرِ لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ {نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا أَوْ أَنْ نَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. و(لَا) يَحْرُمُ افْتِرَاشُهُ (تَحْتَ) حَائِلٍ (صَفِيقٍ) فَيَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى الْحَائِلِ (وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُفْتَرِشٌ لِلْحَائِلِ، مُجَانِبٌ لِلْحَرِيرِ. (وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ أُنْثَى (اسْتِنَادٌ إلَيْهِ، وَتَعْلِيقُهُ) أَيْ الْحَرِيرِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ: بُشْخَانَةٌ وَخَيْمَةٌ وَنَحْوُهُمَا، وَحَرُمَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالَهُ مُطْلَقًا، فَدَخَلَ فِيهِ: تِكَّةٌ وَشِرَابَةٌ مُفْرَدَةٌ، وَخَيْطُ مِسْبَحَةٍ. (وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا (كِتَابَةُ مَهْرٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَرِيرِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. (وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا (سَتْرُ جُدُرٍ بِهِ) أَيْ بِالْحَرِيرِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ، أَشْبَهَ لُبْسَهُ (غَيْرَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ) زَادَهَا اللَّهُ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا فَيَجُوزُ سَتْرُهَا بِالْحَرِيرِ. وَكَلَامُ أَبِي الْمَعَالِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَمَحَلُّ تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الْحَرِيرِ. إذَا كَانَ (بِلَا ضَرُورَةٍ) كَبَرْدٍ أَوْ حَكَّةٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ قَمْلٍ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ {أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ شَكَوْا الْقَمْلَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قَمِيصِ الْحَرِيرِ وَرَأَيْتُهُ عَلَيْهِمَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ صَحَابِيٍّ يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَقِسْ عَلَى الْقَمْلِ غَيْرَهُ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى لُبْسِ الْحَرِيرِ. (وَ) حَرُمَ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ أُنْثَى ثَوْبٌ (مَنْسُوجٌ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَمُمَوَّهٌ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ) إلَّا خُوذَةً أَوْ مِغْفَرًا أَوْ جَوْشَنًا وَنَحْوَهَا بِفِضَّةٍ، وَكَذَا مَا طُلِيَ أَوْ كُفِتَ أَوْ طُعِّمَ بِأَحَدِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآنِيَةِ، وَمَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ تَمْلِيكُهُ وَتَمَلُّكُهُ لِذَلِكَ، وَعَمَلُ خِيَاطَتِهِ لِمَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ وَأُجْرَتُهُ، نَصًّا. و(لَا) يَحْرُمُ (مُسْتَحِيلٌ لَوْنُهُ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ) لَوْ عُرِضَ عَلَى النَّارِ، لِزَوَالِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ مِنْ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ، وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ. (وَ) لَا يَحْرُمُ أَيْضًا (حَرِيرٌ سَاوَى مَا نُسِجَ مَعَهُ) مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ (ظُهُورًا) بِأَنْ كَانَ ظُهُورُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، وَلَوْ زَادَ الْحَرِيرُ وَزْنًا فَلَا يَحْرُمُ، لِأَنَّ الْغَالِبَ لَيْسَ بِحَرِيرٍ، فَيَنْتَفِي دَلِيلُ الْحُرْمَةِ. وَيَبْقَى أَصْلُ الْإِبَاحَةِ (وَ) لَا يَحْرُمُ أَيْضًا (خَزٌّ) أَيْ ثَوْبٌ يُسَمَّى الْخَزَّ (وَهُوَ مَا سُدِيَ بِإِبْرَيْسَمٍ) أَوْ حَرِيرٍ (وَأُلْحِمَ بِصُوفٍ، أَوْ وَبَرٍ وَنَحْوِهِ) كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ. لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ {إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ، أَمَّا عَلَمُ وَسَدَى الثَّوْبِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ. وَأَمَّا مَا عُمِلَ مِنْ سَقَطِ الْحَرِيرِ وَمُشَاقَّتِهِ وَمَا يُلْقِيهِ الصَّانِعُ مِنْ فَمِهِ مِنْ تَقْطِيعِ الطَّاقَاتِ إذَا دُقَّ وَغُسِلَ وَنُسِجَ، فَهُوَ كَحَرِيرٍ خَالِصٍ فِي ذَلِكَ وَإِنْ سُمِّيَ الْآنَ خَزًّا، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ (أَوْ) أَيْ وَلَا يَحْرُمُ (خَالِصٌ) مِنْ حَرِيرٍ (لِمَرَضٍ أَوْ حَكَّةٍ) سَوَاءٌ أَثَّرَ فِي زَوَالِهَا أَوْ لَا لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) خَالِصٌ (لِحَرْبٍ) مُبَاحٌ إذَا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ إلَى انْقِضَاءِ الْقِتَالِ (وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ لُبْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُيَلَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ مَذْمُومٍ فِي الْحَرْبِ (وَلَا) يَحْرُمُ (الْكَلُّ) وَهُوَ مَا فِيهِ صُورَةٌ وَالْحَرِيرُ وَالْمَنْسُوجُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (لِحَاجَةٍ) بِأَنْ عُدِمَ غَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: مَنْ احْتَاجَ إلَى لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ تَحَصُّنٍ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ أُبِيحَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ، كَدِرْعٍ مُمَوَّهٍ بِهِ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ لُبْسِهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ (وَحَرُمَ تَشَبُّهُ رَجُلٍ بِأُنْثَى وَعَكْسِهِ) وَهُوَ تَشَبُّهُ أُنْثَى بِرَجُلٍ (فِي لِبَاسٍ وَغَيْرِهِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَعَنَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ {وَلَعَنَ أَيْضًا الرَّجُلَ يَلْبَسُ لُبْسَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لُبْسَ الرَّجُلِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الْعَصَائِبُ الْكِبَارُ الَّتِي تُشْبِهُ عَمَائِمَ الرِّجَالِ. (وَ) حَرُمَ أَيْضًا عَلَى وَلِيٍّ (إلْبَاسُ صَبِيٍّ مَا حَرُمَ عَلَى رَجُلٍ) فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي} وَلِقَوْلِ جَابِرٍ {كُنَّا نَنْزِعُهُ عَنْ الْغِلْمَانِ وَنَتْرُكُهُ عَلَى الْجَوَارِي} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَكَوْنِ الصِّبْيَانِ مَحَلًّا لِلزِّينَةِ مَعَ تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِمْ أَبْلَغَ فِي التَّحْرِيمِ (فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيهِ)، أَيْ فِي الثَّوْبِ الْحَرِيرِ. (وَيُبَاحُ مِنْ حَرِيرٍ كَيْسُ مُصْحَفٍ) تَعْظِيمًا لَهُ، وَلِأَنَّهُ يَسِيرٌ (وَ) يُبَاحُ أَيْضًا (أَزْرَارٌ وَخِيَاطَةٌ بِهِ) أَيْ الْحَرِيرِ. لِأَنَّهُ يَسِيرٌ. (وَ) يُبَاحُ أَيْضًا مِنْ حَرِيرٍ (حَشْوُ جِبَابٍ وَفُرُشٍ) لِأَنَّهُ لَا فَخْرَ فِيهِ، وَلَا عُجْبَ وَلَا خُيَلَاءَ. وَلَيْسَ لُبْسًا لَهُ وَلَا افْتِرَاشًا (وَ) يُبَاحُ أَيْضًا مِنْ حَرِيرٍ (عَلَمُ ثَوْبٍ وَهُوَ طِرَازُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَيُبَاحُ أَيْضًا مِنْ حَرِيرٍ (لَبِنَةُ جَيْبٍ، وَهُوَ الزِّيقُ) أَيْ الْمُحِيطُ بِالْعُنُقِ (وَالْجَيْبُ مَا يُفْتَحُ عَلَى نَحْرٍ أَوْ طَوْقٍ). وَفِي الْقَامُوسِ: وَجَيْبُ الْقَمِيصِ وَنَحْوُهُ بِالْفَتْحِ: طَوْقُهُ (وَ) يُبَاحُ أَيْضًا مِنْ حَرِيرٍ (رِقَاعٌ وَسِجْفُ فِرَاءٍ) وَنَحْوِهَا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ فَمَا دُونُ. و(لَا) يُبَاحُ مِنْ ذَلِكَ (فَوْقَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ) لِحَدِيثِ عُمَرَ {نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَإِذَا لَبِسَ ثِيَابًا فِي كُلِّ ثَوْبٍ مِنْ الْحَرِيرِ مَا يُعْفَى عَنْهُ وَلَوْ جُمِعَ صَارَ ثَوْبًا فَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَابْنِ تَمِيمٍ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ. لَا يَحْرُمُ، بَلْ يُكْرَهُ.
تَتِمَّةٌ: يُسَنُّ أَنْ يَأْتَزِرَ الرَّجُلُ فَوْقَ سُرَّتِهِ وَيَشُدَّ سَرَاوِيلَهُ فَوْقَهَا، وَسَعَةُ كَمِّ قَمِيصِ الْمَرْأَةِ يَسِيرًا وَقِصَرُهُ، وَطُولُ كَمِّ قَمِيصِ الرَّجُلِ عَنْ أَصَابِعِهِ قَلِيلًا دُونَ سَعَتِهِ كَثِيرًا، فَلَا تَتَأَذَّى الْيَدُ بِحَرٍّ وَلَا بَرْدٍ، وَلَا تَمْنَعُهَا خِفَّةَ الْحَرَكَةِ وَالْبَطْشِ. وَيُبَاحُ ثَوْبٌ مِنْ صُوفٍ وَوَبَرٍ وَشَعْرٍ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ. وَيُكْرَهُ رَقِيقٌ يَصِفُ الْبَشَرَةَ وَخِلَافُ زِيِّ أَهْلِ بَلَدِهِ بِلَا عُذْرٍ، وَمُزْرِيَةٌ وَكَثْرَةُ الْإِرْفَاهِ. وَزِيُّ أَهْلِ الشِّرْكِ وَثَوْبُ شُهْرَةٍ مَا يَشْتَهِرُ بِهِ عِنْدَ النَّاسِ وَيُشَارُ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ لِئَلَّا يَحْمِلَهُمْ عَلَى غَيْبَتِهِ فَيُشَارِكَهُمْ فِي الْإِثْمِ. وَيُبَاحُ لُبْسُ السَّوَادِ وَالْقَبَاءِ، حَتَّى لِلنِّسَاءِ وَالْمَشْيُ فِي قُبْقَابٍ خَشَبٍ. قَالَ أَحْمَدُ: إنْ كَانَ حَاجَةً، وَيُكْرَهُ لُبْسُ نَعْلٍ صَرَّارَةٍ نَصًّا. وَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُلْبَسَ لِلْوُضُوءِ. وُفِيَ الرِّعَايَةِ: يُسَنُّ التَّوَاضُعُ فِي اللِّبَاسِ، وَلُبْسُ الْبَيَاضِ وَالنَّظَافَةُ فِي بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ، وَمَجْلِسِهِ، وَالتَّطَيُّبُ فِي بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ، وَالتَّحَنُّكُ وَالذُّؤَابَةُ وَإِرْسَالُهَا خَلْفَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَإِطَالَتُهَا كَثِيرًا مِنْ الْإِسْبَالِ، وَيُسَنُّ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا قَوْلُ " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ " وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْخَلَقِ الْعَتِيقِ النَّافِعِ.
|